الموحد طايش حديدي
عدد المساهمات : 26 نقاط : 54 تاريخ التسجيل : 04/12/2009 العمر : 35 السكن : القدس
| موضوع: الحوار( مفهومه- أركانه - شروطه -معوقاته) الجمعة ديسمبر 04, 2009 4:02 am | |
| الحوار( مفهومه- أركانه - شروطه -معوقاته)
يقول الدكتور / عبد الستار الهيتي : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، سيد الأولين والآخرين.. وبعد، فالحوار فن من فنون الكلام والمحادثة، وصيغة متقدمة من صيغ التواصل، والتفاهم، وأسلوب من أساليب العلم والمعرفة، ومنهج من مناهج الوعي والثقافة، ووسـيلة من وسـائل التبليغ والدعوة، استعمله البلغاء والفصحاء في صناعتهم، وعمدت إليه الشـعوب في تواصلها وتفاعلها مع غيرها ممن يحيط بهم، واختطه المفكرون والمربون أسـلوباً ومنهجاً في تعليمهم، واعتمده الأنبياء والرسل والمصلحون في دعوة الناس إلى الخير والفضيلة والرشاد. ومع إفرازات النظام العالمي الجديد، سـواء على صعيد الثقافة والقيم، أو على صعيد السياسة والاقتصاد، تزايد الاهتمام بالحوار، وتعمق الاقتناع به وبدوره في تحقيق وفاق ثابت بين أبناء الأمة الواحدة، وتفاهم مشترك بين الشعوب المختلفة على أساس قاعدة الكرامة والعدالة والمساواة، حتى شاع استخدام الحوار على مختلف الصعد، وفي شتى الميادين، الثقافية والفكرية والحضارية، فأصبح أحد الظواهر المهمة للعصر الحالي، الذي يتميز بثورة المعلوماتية والاتصال، التي هي إحدى ثمرات العلم المتفجرة عنه، وبهذا قوي التواصل بين بني البشر، واتسعت دائرة الحوار، وتنوعت موضوعاته بصورة لم تعرفها الإنسانية من قبل. ومن خلال هذه المعطيات يبرز دور الحوار وتظهر أهميته في تأسيس صيغة معرفية متجددة تعتمد تزاوج الأفكار، وتبادل الرؤى، وتداول الطروحات، من خلال سماع الرأي (الآخر) والإصغاء إليه والاهتمام به، تحقيقاً للتواصل العلمي والمعرفي، وابتعاداً عن العزلة والانكفاء الذي لم يبق لهما مكان في عالم اليوم. ولابد من الإشارة إلى تنوع أشكال الحوار وتعدد موضوعاته بتنوع مقاصده وأغراضه، ليواكب الحاجات الفطرية الإنسانية، فكان منه ما يُعنى بالمناهج الفكرية، ومنه ما يُعنى بالجوانب التربوية التعليمية، ومنه ما يُعنى بالجوانب الثقافية المعرفية، ومنه ما يُعنى بتحديد العلاقة بين الأمم والشعوب، الأمر الذي يتطلب البحث والدراسة لتحديد آثاره وثمراته في كل جانب من تلك الجوانب، وعلى هذا الأساس جاءت هذه الدراسة بعنوان: «الحوار الذات .. والآخر» لتعالج أبرز موضوعاته وأغراضه ومقاصده. ولما كان الهدف من هذه الدراسة هو إبراز أهمية الحوار، ومنهجيته ومقوماته، ومقاصده وأغراضه، من حيث الحوار مع الذات والحوار مع (الآخر)، فقد اقتضى ذلك أن توزع الدراسة إلى تمهيد وفصلين وخاتمة. حددت في التمهيد مفهوم الحـوار وبعض المصطلحات المماثلة المقاربة له في المعنى، كما تكلمت عن طبيعة الحوار في عصر النهضة والعصر الحديث، الذي ارتبط بظهور العديد من النظريات التربوية والأيديولوجيات الفكرية مما عمل على توسيع دائرة المعارف وانتشار الثقافة والفكر. أما الفصل الأول فقد كان عنوانه: «منهجية الحـوار» وقد تم توزيعه إلى ثلاثة مباحث، كان المبحث الأول فيه بعنوان: مقـومات الحوار، حيث أوضحت فيه أبرز تلك المقومات من الأركان والقواعد العامة التي يجب أن يشتمل عليها الحوار؛ وتطرقت في المبحث الثاني إلى شروط الحوار، وضوابطه، والآداب التي ينبغي أن تسود العملية الحوارية ويتمثل بها أطراف الحوار؛ وخصصت المبحث الثالث للتطرق إلى جملة من المعوقات الشخصية المرتبطة بالمتحاورين أو الموضوعية التي تؤثر سلباً على عملية الحوار. أما الفصل الثاني فقد جاء تحت عنوان: « أنواع الحوار وأساليبه» وتم تقسيمه إلى مبحثين أساسين، كان المبحث الأول متعلقاً بالحوار مع الذات، حيث تطرق إلى حـوار النفس الإنسانية مع ذاتها، وإلى حوار أبناء الأمة فيما بينهم، من خلال حوار أتباع المذاهب والفرق، والعلاقة بين الإسلام والعروبة، وحوار الشعوب مع الحكام؛ واختص المبحث الثاني بالحوار مع (الآخر) الذي يشمل حوار الحضارات والثقافات والأديان. ثـم أنهيت الدراسـة بخاتـمة ذكرت فـيها أهم وأبرز النتائج التي توصلت إليها. أما المصادر التي اعتمدتها، فقد كانت متعددة ومتنوعة تبعاً لتنوع الموضوعات التي يتطرق إليها الحوار، كان في المقدمة منها القرآن الكريم ومجموعة من تفاسيره، والسنة النبوية من خلال كتب الصحاح والسـنن والمسانيد، كذلك أفدت من عدد من المصادر التاريخية وكتب الحضارة الإسلامية، إضافة إلى العديد من الكتب الفكرية والثقافية العامة، وبعض مواقع الشبكة العالمية «الإنترنت» ودراسات أخرى لها علاقة بهذا الموضوع. ولا بد من الإشـارة هنا إلى أنني عنيت ببحث هذا الموضوع بروح الحيادية العلمية والإنصاف الفكري، معتمداً وضوح المنهج، ومرونة الطرح، وسلاسة العبارة، ودقة الإحالة، وسعة الأفق في المعالجة، بعيداً عن التعصب لطرف على حسـاب طرف آخر، قاصداً بذلك صياغة منهجية حوار إسلامي يتعامل مع عصر الثورة المعلوماتية بعقلية المسلم المثقف الغيور على دينه وعقيدته. ومهما يكن من أمر، فإنه لا يمكن أن أدعي الكمال لهذه الدراسة، فهي لا تعدو أن تكون محاولة مخلصة للكشف عن مقومات الحوار في الإسلام، ومنهجيته العلمية في الحوار مع الذات، والحوار مع (الآخر)، من خلال التفاعل الحضاري مع الشعوب والأمم الأخرى، فإن كان صواباً فهذا ما وفقني الله إليه، وإن كان غير ذلك فحسبي أنني لم أدخر جهداً في سبيل الوصول إلى الحقيقة وإبراز رأي من منظور إسلامي في هذه المسألة المهمة والملحة، والله من وراء القصد. | |
|
الموحد طايش حديدي
عدد المساهمات : 26 نقاط : 54 تاريخ التسجيل : 04/12/2009 العمر : 35 السكن : القدس
| موضوع: رد: الحوار( مفهومه- أركانه - شروطه -معوقاته) الجمعة ديسمبر 04, 2009 4:05 am | |
| الحوار وعلاقته بالمصطلحات المماثلة: إذا رجعنا إلى كتب اللغة ومعاجمها فإننا نجد فيها مصطلحات تتفق في جانب من مفاهيمها ومعانيها مع مصطلح الحوار، وإذا أردنا أن نقف على مفهوم الحوار فإن ذلك يتطلب الوقوف على مفاهيم تلك المصطلحات التي لها علاقة وثيقة به وهي الجدل، والمناظرة، لأن هناك تداخلاً كبيراً في مستوى الدلالة بين هذه المصطلحات الثلاثة (الجدل - المناظرة - الحوار) وسنحاول هنا الوقوف على مفهوم كل مصطلح على حدة لنرى أوجه الاتفاق والاختلاف بينها. مفهـوم الجـدل. جاء في كتب اللغة أن الجَـدْل : شِدَّة الفَتْل( )، والجَـدَل : اللَّدَدُ في الخُصومـة والقدرةُ عليها، والجَدَل: مقابلة الحجـة بالحجـة( ). وفي الحديث عن أنه قال: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلارسـول الله أُوتُوا الْجَدَلَ»( ). ويتضح لنا أن كلمة الجدل تدور حول معنيين هما: المعنى الأول: الغلبة والقوة والصلابة، وهو مأخوذ من الجَدْل الذي هو شدة فتل الحبل، وإذا نقلنا هذا المعنى اللغوي المحسوس إلى الجوانب الفكرية والعقلية فسنجد بينهما تطابقاً واتفاقاً؛ لأن كل واحد من المتجادلين يحاول بقوته وفكره أن يجادل (الآخر) ويفتله «يثنيه» عن رأيه، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بقوة الدليل وصلابة الفكرة. المعنى الثاني : اللَّدَد في الخصومة مع القدرة عليها، وهذا المعنى اللغوي يتفق مع نوع من أنواع الجدل الفكري وهو اللجاج الذهني، الذي لا يكون الغرض منه الوقوف على الحقيقة أو الوصول إلى الصواب وإنما مجرد الجدل لأجل الجدل وهو ما يطلق عليه العلماء الجدل المذموم ومنه قوله تعالى: ((وَقَالُواْ ءأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)) (الزخرف:58). أما في الاصطلاح : فقد عرفه الجرجاني بأنه: القياس المؤلف من المشهورات والمسلمات، يكون الغرض منه إلزام الخصم، وإفحام من هو قاصر عن إدراك مقدمات البرهان، ودفع المرء خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة( ).. أما المعجم الوسيط فقد عرفه بأنه: طريقة في المناقشة والاستدلال صورها الفلاسفة بصور مختلفة، وهو عند مناطقة المسلمين قياس مؤلف من مشهورات أو مسلمات( ). وقد قسم علماء المسلمـين الجدل إلى جدل محمود وجـدل مذموم.. أما المحمود فهو: ما كان من أجل تقرير الحق، وهو مهنة الأنبياء في الدفاع عن العقيدة، ومنه قوله تعالى: ((وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ )) (النحل:125)، ذلك أن المجادلة بالتي هي أحسن هو الحوار، لأن الهدف منه هو الإقناع والتربية والتوجيه( ).. وأما الجدل المذموم فهو: الذي يتعلق في تقرير الباطل( ) ويراد به الجَدَلُ على الباطل وطَلَبُ المغالبة فيه. وقد أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: ((مَا يُجَـٰدِلُ فِى ءايَـٰتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى ٱلْبِلاَدِ)) (غافر:4) وقولـه تعالى: ((وَجَـٰدَلُوا بِٱلْبَـٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ)) (غافر:5). مفهوم المناظرة: المناظرة لغة من النظير، أو من النظر بالبصـيرة، فهي من النظر تفيد الانتظار والتفكير في الشيء تقيسه وتقدره، ومن التناظر تفيد التقابل( )، ومن النظير تفيد التماثل( ). أما في الاصطلاح فهي النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشـيئين إظهاراً للصواب( )، وهي بـهذا المعنى تفيد المحاورة بين شخصين أو فريقين حول موضوع معين، لكلٍ منهما وجهة نظر تخالف وجهة نظر الفريق الآخر، بحيث يريد إثبات وجهة نظره وإبطال وجهة نظر خصمه، مع توفر الرغبة الصادقة بظهور الحق والاعتراف به عند ظهوره. مفهوم الحوار: الحوار في اللغة: ذكر علماء اللغة ل ( حَـوَرَ ) معاني متعددة تبعاً لتفعيلاتها الصرفية، فقد جاء أن الحَوْرُ: الرجوع عن الشيء وإِلى الشيء، يقال حارَ إِلى الشيء وعنه حَوْراً و مَحاراً و مَحارَةً رجع عنه وإِليه( ). وكل شيء تغير من حال إِلى حال، فقد حارَ يْحُور حَوْراً، قال لبيد: وما المَرْءُ إِلاَّ كالشِّهابِ وضَوْئِهِ يَحُورُ رَماداً بعد إِذْ هو ساطِعُ. ( ) والمحَاوَرَةُ: المجاوبة. و التَّحاوُرُ: التجاوب، تقول أحرت له جواباً وما أَحارَ بكلمة( ). والحَوْر: الجَواب، يقال كلّمته فما رَدَّ إلىَّ حَوْراً أو حَوِيراً. ( ) واستحاره أَي استنطقه. يقال: كلَّمته فما رَدَّ إِليَّ حَوْراً أَي جواباً، وهم يَتَحاوَرُون أَي يتراجعون الكلام، و المُحَاوَرَةُ: مراجعة المنطق في المخاطبة. ( ) والحواريون في اللغة الذين أُخْلِصُوا ونُقُّوا من كل عيب؛ وكل شيء خَلَصَ لَوْنُه، فهو حَوَارِي. ( ) | |
|
الموحد طايش حديدي
عدد المساهمات : 26 نقاط : 54 تاريخ التسجيل : 04/12/2009 العمر : 35 السكن : القدس
| موضوع: رد: الحوار( مفهومه- أركانه - شروطه -معوقاته) الجمعة ديسمبر 04, 2009 4:06 am | |
| ويتضح لنا من خلال ما تقدم أن كلمة الحوار تدور حول المعاني التالية : 1- الرجوع إلى الشيء وعن الشيء، والمتحاورون قد يرجع أحدهم إلى رأي الآخر أو قولـه أو فكره رغبة في الوصول إلى الصواب والحقيقة، ومنه قوله تعالى: ((إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ)) (الانشقاق:14) أي لن يرجع مبعوثاً يوم القيامة. 2- التحول من حال إلى حال، فالمحاور يتنقل في حواره من حالة إلى أخرى، فمرة يكون مستفسراً، وأخرى يكون مبرهناً، وثالثة يكون مفنداً، وهكذا. 3- الإجابة والرد، وهو قريب من المعنى الاصطلاحي للحوار؛ لأن كلاً من طرفي التحاور يهتم بالإجابة عن أسئلة صاحبه، ويقدم مجموعة من الردود على أدلته وبراهينه. 4- الاستنطاق ومراجعة الحديث، فكل واحد من المتحاورين يستنطق صاحبه ويراجع الحديث معه لغرض الوصول إلى هدفه وقصده. 5- النقاء والتخلص من العيوب، والواقع أن طبيعة الحوار والمناقشة تؤدي بالنتيجة إلى التخلص من العيوب الفكرية، من خلال طرح الأفكار المتعددة واختيار الراجح منها. الحوار في الاصطلاح: وبعد هذا العرض للمدلول اللغوي يمكن لنا أن نحـدد المعنى الاصطلاحي للحوار بأنه: أسلوب يجري بين طرفين، يسوق كلٌ منهما من الحديث ما يراه ويقتنع به، ويراجع الطرف الآخر في منطقه وفكره قاصداً بيان الحقائق وتقريرها من وجهة نظره. ومما لا شك فيه فإن كل واحد من المشتركين في الحوار لا يقتصر على عرض الأفكار القديمة التي يؤمن بها وإنما يقوم بتوليد الأفكار في ذهنه، ويعمد إلى توضيح المعاني المتولدة من خلال عرض الفكرة وتأطيرها وتقديمها بأسلوب علمي مقـنع للطرف الآخر، بحيث يظل العقل واعياً طوال فترة المحاورة ليستطيع إصدار الحكم عليها، سلباً أو إيجاباً. ( ) وبعد هذا العرض الذي قدمناه لمدلولات المصطلحات المتداخلة (الجدل- والمناظرة - والحوار ) يتضح لنا أن الحوار وإن كان مناوبة الحديث بين طرفين إلا أنه لا يشتمل على الخصومة والمنازعة والمراء كما هو الجدل، وإنما هو أداة أسلوبية تستخدم لمعالجة موضوع من الموضوعات المتخصصة في حقل من حقول العلم والمعرفة أو جانب من جوانب الفكر والعقيدة، للوصول إلى حقيقة معينة بهذا الشكل من أشكال الأسلوب والمحادثة، وهو عملية تتضمن (طرحاً) من طرف، يتمثله الطرف (الآخر) ويجيب عليه فيحدث (تجاوب) يولّد عند كل منهما (مراجعة) لما طرحه الطرف (الآخر)، وهذه العملية هي التي يطلق عليها الحوار أوالمحاورة من الطبيعي جداً في حياة البشر أن يختلفوا في وجهات النظر، ويتباينوا في الآراء والأفكار، فهذا ليس عيباً علمياً ولا خطأ منهجياً، بل هو في الحقيقة خطوة جادة في طريق تصحيح المفاهيم والوصول إلى الحقيقة، فليس من الشر أن يختلف الناس في مفاهيمهم، ولكن الشر في الإصرار على الخطأ والاستمرار فيه. إن ظروف الحياة وما يحيط بها من تقلبات وتغيرات عامل أساس من العوامل التي تدعو إلى الاختلاف في الرأي والتباين في التفكير، وإن الطريق الصحيح لمعالجة تلك الاختلافات هو الاحتكام إلى الحق، وهو طريق سـهل ويسـير إذا صدقت النفوس في التوجه إليه، وقد ثبت جلياً أن أقـرب طريق للوصول إلى الحق هو الحوار العقلي المجرد عن اتباع الهوى، ولا بد لهذا الحوار من منهجية علمية تعتمد أسـس وقواعد البحث العلمي في الوصول إلى الحقيقة، ومعالجة أسباب الخلاف وتسويته. ولأن الحوار مساجلة كلامية تجري بين طرفين أو أكثر في موضوع عقائدي أو علمي أو أدبي، ويتم إجراؤه في مـنتدى أو مؤسـسة ثقافـية أو جمعية علمية، أو عن طريق وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وهو في صورة أخرى كلام مطبوع في صحيفة أو مجلة أو كتاب ليكون على شكل عرض وجهات نظر أو تعقيبات أو مداخلات، فإن كل هذا يستوجب توفر مجموعة من القواعد والشروط لغرض تحقيق الأهداف التي تم إجراء الحوار من أجلها. ويكتسب الحوار أهميته من ماهية أو طبيعة الموضوعات التي يتم تناولها، وخطورة القضايا المثارة، أو بسـبب الثقافة العميقة للمتحاورين، أو من خلال المركز العلمي والفكري التي يتمـتع بـها كل طرف من أطراف ذلك الحوار. ومن هنا فإن البحث في منهجية الحـوار يتطلب منا الوقوف على جملة من المحاور الأساس التي تتضمنها تلك المساجلة الكلامية، ابتداءً من أركان الحوار مروراً بأسـسه وعناصره التي يقوم عليها، والشروط التي يجب أن تتوفر فيه، وانتهاءً بالآداب التي ينبغي أن يتمـتع بـها كل طـرف، ومن ثم البحث في المعوقـات التي تقف حـائلاً دون إتمام المحاورة.. وتأسيساً على ذلك، فسوف نتناول في هذا الفصل هذه المعطيات جميعاً وفقاً للمباحث الآتية: المبحث الأول: مقومات الحوار (أركانه وقواعده). المبحث الثاني: شروط الحوار وآدابه (آداب الحوار ومعوقاته). المبحث الثالث: معوقات الحـوار (بين الحوار والمواجهة). | |
|
الموحد طايش حديدي
عدد المساهمات : 26 نقاط : 54 تاريخ التسجيل : 04/12/2009 العمر : 35 السكن : القدس
| موضوع: رد: الحوار( مفهومه- أركانه - شروطه -معوقاته) الجمعة ديسمبر 04, 2009 4:07 am | |
| أركان الحوار: للحوار ركنان أساسيان، هما: 1 - وجود طرفين متحاورين. 2 - وجود قضية يجري الحوار بشأنها. الركن الأول: وجود طرفين متحاورين: لا بد للحوار من وجود أكثر من طرف في عملية المحاورة، لأن الحوار لا يتحقق إلا عندما يتم طرح أكثر من رأي وأكثر من فكرة في موضوع محدد، أما الحوار مع النفس فهو حوار ذاتي يحاول فيه المحاور أن يصنع لنفـسه طرفاً من داخله يتفـاعل معه، ولـكنه مع ذلك يبقى حواراً روحياً داخـلياً، أو سـراً شخصياً لا يمكن الإطـلاع عليه إلا إذا أفصح عنه المحاور. ولكي يتمكن كل طرف من طرفي الحـوار إجراء المحاورة في مناخ طبيعي يتحقق من خلاله الوصول إلى صيغة علمية في الأداء والطرح والتفكير، فإن ذلك يتطلب جملة من الشروط، نذكر أبرزها: 1- توفر الحرية الفكرية: إذا أردنا للحوار أن ينتهي إلى نتيجة منطقـية يسلّم بـها الطرفان، فلا بد أن يملك كل منهما حرية الحركة الفكرية التي تحقق له الثقة بشخصيته المستقلة، بحيث لا يكون واقعاً تحت هيمنة الإرهاب الفكري والنفسـي الذي يشعر معه بالانسحاق أمام شخصية الطرف الآخر، لما يحس به في أعماقه من العظمة المطلقة التي يملكها الطرف الآخر. ( ) إن عدم توفر الحرية الفكرية تجعل ثقة المحاور بنفسه تتضاءل شيئاً فشيئاً حتى يفقد بعد ذلك ثقته بفكره وقابليته لأن يكون طرفاً في الحوار والمناقشة، كما أن ذلك يعمل على إرباك المحاور وتشتيت أفكاره، فبدلاً من أن يستحضر حججه وبراهينه لمعالجة القضية التي يحاور من أجلها، يجد نفـسه مضطراً للدفاع عن شخصيته الفكرية وفك قيدها من أسـر وهيمنة الإرهاب الفكري المصاحب لذلك الحوار. والمتتبع للحوارات التي أجراها يجد أنه حاول في أكثر من مناسبة توفير المناخ الطبيعي للأطراف الذين أدارالنبي عملية الحوار معهم من خلال تأكيده على جانب البشرية فيه، فهو بشـر مثلهم لا يملك أية قوة غير عادية في تكوينه الذاتي، فلا يستطيع تنفيذ المعجزات التي يقترحونها عليه، ولا يعلم الغيب، وإنما هو إنسان يتلقى الوحي من ربه باعتباره رسول رب العالمين، ومهمته في ذلك هي تبليغ الرسالة بالوسائل المقنعة والصيغ العلمية إلى الناس، عن طريق الحوار والمناظرة دون أن يشعرهم بتميّزه عنهم، أو إملاء أفكار يفرضها عليهم، فلا مكان عندئذ للإرهاب أو الضغط على الحرية الفكرية، وهو لا يملك طاقة سحرية تدفعهم إلى الإيمان بما يدعوهم إليه، وإنما لهم الحرية الكاملة في ذلك كله، فإن استجابوا له واقتنعوا بدعوته فـذلك هـدف الرسالة وغايتها، وإن لم يستجيبوا فحسبه أنه أدى الرسالة وبلّغ الأمانة وقام بواجب تجاه الوحي المنـزل إليه، وفي هذا يقول الله تعالى: ((قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّا إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوء إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) (الأعراف:188)، ويقول أيضاً: ((قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكُمْ فَمَنُ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ)) (يونس:108). 2- الاستعداد النفسي للاقتناع بالنتائج: لا بد لمن يدخل في عملية الحوار أن يعد نفسـه إعداداً تاماً لتقبل النتائج التي يؤول إليها الحوار ويهيئ عقله للاقتناع بها، لأن رفض النتائج وعدم تقبلها يقلب الحوار إلى جدل عقيم لا يراد منه سوى المماحكة وعرض القدرات الكلامية وتقديم المزايدات الجدلية المقيتة التي تعود بالحوار إلى ما يناقض هدفه وغايته. إن عدم استعداد طرفي الحوار لقبول النتائج يعني أن فكرة كل واحد منهما كانت معدة سلفاً ولا مجال عنده للتراجع عنها مهما ظهر له من الأدلة والبراهين، فهو في هذه الحالة يكون تابعاً لدوافعه الذاتية والاجتماعية التي لا علاقة لها بالقناعة الفكرية والعلمية المرتكزة على البرهان والدليل. ولكنهملقد عاب القرآن الكريم على أولئك الذين يحاورون رسـول الله ليسوا مستعدين لتقبل نتيجة المحاورة، فقال تعالى: ((وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى ءاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَاءوكَ يُجَـٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلاْوَّلِينَ)) (الأنعام:25) فهؤلاء يستمعون إلى الدعوة ولكن قلوبهم مغلقة وآذانهم مسدودة عن الإصغاء إليها ولذلك فهم معرضون عن الإيمان بها لعدم استعدادهم لقبول نتائج الحـوار، إنكـاراً وكفراً وعـناداً، وليس لديهم ما يواجهون به الدعوة إلا كلمة لا تعبّرعن أية مسؤولية فكرية وهي قولهم: ((إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلاْوَّلِينَ)) دونما حجة أو برهان على ذلك. إن المحاور الذي لا يكون مسـتعداً لتقبل النتائج التي يؤول إليها الحوار يدخل دائرة المكابرة والجهل، ويبتعد عن الموضوعية العلمية، وفي هذا يقول الله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْء قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)) (الأنعام:111) فهذا الصـنف من الناس يبـرر الامتناع عن الإيمان بالمطالبة بما يكون خارقاً للعادة رغم أن قضية الإيمان ليست مرتبطة بذلك، فالآيات الخارقة للعادة خاضعة للحكمة الإلهية، لا تتحقق إلا بمقدار الضرورة التي يدعو إليها ما يثبت النبوة والوحي في بعض حـالات التحدي التي تواجهها بقوة.. أما ما يطالبون به أثناء محاوراتهم ومناظراتهم فلا يخرج عن دائرة المكابرة والتبريرات الواهية التي لا تستند إلى أساس علمي، وهو ماأشارت إليه الآية الكريمة: ((وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْء قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ)) فليست القضية قضـية آيات تقـترح ليستجاب لها أو لا يستجاب، بل القضية هي فقدان الاستعداد النفسي لتقبل الإيمان مهما كانت الأدلة والبراهين، وهذا يثبت أنه متى ما فقد أي طرف من المتحاورين الاستعداد لقبول نتائج الحوار فإنه يكون قد فقد شرطاً أساسياً من شروط المنهج الذي يوفر المناخ الطبيعي للمحاورة. 3 - عدم التعصب لفكرة مسبقة: ويعني هذا الشـرط أن يتخلى كل من الطرفين المشـاركين بالمحاورة حول موضوع معين، عن التعصب لوجهة نظر مسبقة وعن التمسك بفكرة يرفض نقضها أو مخالفتها، لأن التمسك بوجهة النظر السابقة يتباين مع منهجية الحوار في تبادل الأفكار وتداول الطروحات وسماع الرأي (الآخر). إن طبيعة الحوار تقتضي الإعلان من الطرفين عن الاستعداد التام للكشف عن الحقيقة والأخـذ بـها عند ظهورها، سـواء أكانت وجهة نظر سابقة، أو وجهة نظر الطرف (الآخر) الذي يحاوره، وقد أكد القرآن الكريم على هذا المفهوم بصراحة بأن يقول للمشركينواضـحة، وأرشدنا إلى الأخذ بهذا المبدأ عندما وجـّه رسول الله في محاورته لهم: ((وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ)) (سبأ:24) وفي هذا غاية الابتعاد عن التعصب لفكرة سابقة، وكمال الرغبة في البحـث عن الحقـيقة أنـى كانت ومن أين صدرت. ونظراً لأن موضوع المحاورة التي تتحدث عنه هذه الآية توحيد الله تعالى أو الإشراك به، وهما أمران على طرفي نقيض لا يلتقيان بأي حال من الأحوال، وهما يدوران حول أصل عظيم من أصول العقيدة الإسلامية، كان من البديهي أن الهداية في أحدهما إذ هو الحق، وأن الضلال في الآخر إذ هو الباطل، ومن أجل ذلك كان التخلي عن التعصب لفكرة سابقة يتضمن الاعتراف بهذه الحقيقة. ( ) وقد ذكر الإمام الغزالي أن على المحاور أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يديه أو على يد غيره، بحيث يكون المحاور رفيقاً ومعيناً له لا خصماً عليه. ( ) الركن الثاني: وجود قضية يجري الحوار بشأنها: ذلك أن الحوار لا يتحقق من فراغ، وإنما يدور حول فكرة أو موضوع يستحق البحث والمناقشة وتبادل الآراء مع (الغير)، لأن عدم وجود الفكرة أو القضية التي يجري الحوار بشأنـها يجعل عملية التحاور ليست ذي بال ولا طائل منها، بل إنها تتحول من محاورة علمية إلى سفسطة كلامية توصل أطرافها إلى اللجاج الذي يقتصر الأمر فيه على النقاش لذاته، ويكون همّ المتنافسين إحراز غلبة على الخصم ونيل الشهرة دون هدف علمي منشود. إن من حقوق البشر: حق الاتفاق، وحق الاختلاف، فإذا جاء من يلغي الحق الأخير فهذا هو الاسـتبداد المقيت؛ لأنه ينظر إلى بني الإنسان كما ينظر إلى مجتمع النحل، وفي هذا المفهوم يقول الدكتور يحيى الجمل: كوننا لا نعرف كيف نتفق أصبح أمراً شائعاً، ولكن المشـكلة الحقيقية أننا لا نعرف كيف نختلف.. فالاختلاف في الرأي ظاهرة صحيحة تعرفها كل المجتمعات المتحضرة، إلا أنها تنقلب إلى مأساة عندما يتحوّل الاختلاف إلى درجة العداء والتحزب الضيق والخروج على مصالح الأمة.. فالاختلاف من طبائع البشر، وهم يختلفون لأسباب أبرزها اختلاف المصالح واختلاف المكوّنات الحضارية والثقافية مما يؤدي إلى اختلاف النظرة العقلية للأمور، وهناك ثلاثة طرق للتصدي للخـلافات هي: الحوار، والتعايش، والحرب. فأما الحوار فهو الوسيلة الأولى والأكثر أهمية وتنوعاً. ( ) وبهذا يتضح أن من الطبيعي جداً في حياة الأفراد والمجتمعات أن تكون هناك قضايا يجري الحوار بشأنها، وأفكار ومفاهيم متباينة يتم تزاوجها وتبادل الآراء فيها للوصول إلى الحقيقة.. هذه القضايا وتلك المفاهيم هي الأرض الخصبة التي تمد المتحاورين بالقضايا العلمية، وبدونها لا يكون هناك حوار، ولا يتحقق التزاوج في الأفكار بين بني البشر. وأهم ما يتم التركيز عليه في هذا الجانب هو معرفة الطرفين المتحاورين للموضوع المطروح للتحـاور، والوقوف على الفـكرة التي يريدان إثباتها أو نفيها لأن الجهل بها وعدم الإطلاع على تفاصيلها يحـوّل الحوار إلى أسلوب من أساليب الشـتائم والمهاترات بدلاً من طرح الفكرة المعنية والدفاع عنها، ذلك أن المعرفة التامة بالقضية التي يجري الحوار بشأنها تجعل المحاور يعلم كيف يبدأ الحوار، وكيف يعالج مفرداته، وكيف ينتهي منه، في وضوح الرؤية وهدوء الفكر وقوة الحجة ووداعة الكلمة. وقد أشار القرآن الكريم إلى بعض النماذج ودعوته من دون أن يكون لها علم بها أو إحاطةالبشرية التي وقفت ضد رسول الله بعناصرها، إذ قال تعالى: ((هأَنتُمْ هَـٰؤُلاء حَـٰجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)) (آل عمران:66)، وقال تعالى: ((إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءايَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَـٰنٍ أَتَـٰهُمْ إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَـٰلِغِيهِ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ)) (غافر:56) فهذه الآيات تثبت أن القرآن الكريم يأخذ على كل هؤلاء الذين يخاصمون الأنبياء، أنهم يدخلون معركة الحوار دون سلاح، لأنهم لا يملكون علماً أو حجة، وليس لديهم إحاطة بالموضوع الذي يتحاورون فيه، مما يجعل حوارهم ورفضهم لنتائجه قضية مزاج، وعقدة نفسية تتحكم بهم فتدفعهم إلى اللف والدوران وإلى التكذيب بلا مبرر، الأمر الذي لا يؤدي إلى أية نتيجة لحساب المعرفة أو لمصلحة الحق. ( ) ومن هنا فإن الواجب على من يتصدى للحوار أن يكون على بينة من الموضوع الذي يحاور فيه، والقضية التي يجري النقاش فيها، حتى لا يكون بعيداً عن منطق المعرفة والموضوعية في عملية التحاور، كما أنه ينبغي عليه أن يتزود بالثقافة العامة التي تجعله قوياً في حجته أمام خصومه من خلال إحاطته بعناصر القضية التي يتحاور فيها، كما أن عليه أن يكون ملماً بالثقافة المضادة التي يملكها الطرف (الآخر) ليسهل عليه الوقوف على نقاط الضعف والقوة عند خصمه، وليستطيع الموازنة والمفاضلة بين الفكرتين بمنطق العقل والعلم والدليل. | |
|
الموحد طايش حديدي
عدد المساهمات : 26 نقاط : 54 تاريخ التسجيل : 04/12/2009 العمر : 35 السكن : القدس
| موضوع: رد: الحوار( مفهومه- أركانه - شروطه -معوقاته) الجمعة ديسمبر 04, 2009 4:09 am | |
| القواعد العامة للحوار: هناك قواعد عامة للحوار يجب الحفاظ عليها، وهي: القاعدة الأولى: اعتماد العقل والمنطق: ويعني ذلك أن يلتزم أطراف الحوار بالطرق المنطقية السليمة أثناء المحاورة، ويمكن أن نحدد معالم هذا الالتزام بما يلي: ( ) 1- تقديم الأدلة المثبتة أو المرجّحة لكل فرضية أو دعوى يقدمها المحاور. 2- صحة النقل للنصوص المنقولة والمروية. ومن هنا أخذ علماء آداب البحث والمناظرة قاعدتهم المشهورة التي يقولون فيها: إن كنت ناقلاً فالصحة، أو مدّعياً فالدليل. ( ) وقد وردت الإشارة إلى مضمون هذه القاعدة في كثير من الآيات القرآنية التي تطالب الطرف (الآخر) بتقديم البراهين والحجج المنطقية، منها قولـه تعالى: ((أَمَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مّنَ ٱلسَّمَاء وٱلاْرْضِ أَءلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَـٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ)) (النمل:64)، وقوله تعالى: ((قُلْ هَاتُواْ بُرْهَـٰنَكُمْ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِى بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ)) (الأنبياء:24). بأن يطالب المشركين بتقديمففي هذه النصوص يأمر اللهُ نبيهَ براهينهم وأدلتهم على ما يقدمون من دعاوى إن كانوا على يقين من الأمور التي يعتقدونها: ((وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَـٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ)) (البقرة:111). وهكذا نجد أن المحاورة في القرآن الكريـم تعتمد على العقل والمنطق، ولا تتأثر بأي عامل أو مؤثر خارجي كالنبوة والرسالة والوحي.. ولاشك أن الحوار الذي يعتمد على الحجة الواضحة والدليل المنطقي القوي سيؤدي في النهاية إلى الحرية في التفكير، والتخلص من التعصب والانحياز، فنحن نرى أن إبراهيم عليه السلام في حواره مع الله عز وجل يتقدم للمحاورة وكأنه متجردٌ من النبوة، بل من الإيمان: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى)) (البقرة:260) فإبراهيم في هذه المحاورة يريد التحاور ضمن قواعد العقل والمنطق، ويرفض وجود أي مؤثر في المحاورة غير العقل. ومن هنا فإنه لابد أن يتسم الحوار بطابع الاعتماد على العقل وتطبيق المقدمات المنطقية السليمة، سـواء ما يتعلق بتقديم الفكرة والتدليل عليها، أو ما يتعلق بقبول ما يطرحه الطرف الآخر مادام أنه قد وصل إليها بالمنطق السليم والحجة القوية. القاعدة الثانية: عدم التناقض: وتفيد هذه القاعـدة : أن لا يكون في الدعوى أو في الدليل الذي يقدمه المحاور تعارض واضـح، أو أن يكون بعض كلامه ينقض بعضه الآخر، فإذا كان كذلك كان كلامـه ساقطاً وفكرته لاغية، ذلك أن التناقض في الأفـكار يجعل المحاور صـيداً سهلاً لغريمه ومحاوره، بحيث يدينه من خلال طروحـاته المتناقضـة وأفـكاره المتباينة دونما حاجة إلى عناء ومشقة. ومن أمثلة التناقض في الدعوى ما حكاه القرآن الكريم على لسان الكافرين في قولهم عن الآيات بأنها سحر مستمر: ((ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ A وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ)) (القمر:1-2) ففي قولهم هذا تعارض وتناقض واضح لا يستحق رداً ولا يحتاج مناقشة، فهو ساقط علمياً، لأن من شأن الأمور المستمرة أن لا تكون سحراً، أما أن يكون الشيء سحراً ومستمراً معاً في وقت واحد فذلك جمع بين متضادين لا يجتمعان.. ومثل ذلك أيضاً قول فرعون عن موسى عليه السلام حينما جاء بالحجج الدامغة والآيات الباهرة بأنه: ((سَـٰحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)) وذلك في قولـه تعالى: ((وَفِى مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَـٰهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍl فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَـٰحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)) (الذاريات:38-39) وهذان أمران متناقضان، إذ من غير المقبول منطقياً أن يكون الشخص الواحد متردداً بين كونه ساحراً وكونه مجنوناً، لأن من شأن الساحر أن يكون كثير الفطنة والذكاء والدهاء، وهو أمر يتنافى مع الجنون الذي من شأنه الغفلة وعدم الإدراك. إن التناقض في الفكرة، والتباين في طرحها، يجعل كلام المُحاور متهافتاً لا يُلتفت إليه، ولايستحق صاحبه إجابة؛ لأنه متهرب من منطق الحق بعيد عن الموضوعية العلمية. القاعدة الثالثة: إنصاف المحاور: ويقصد به: المحافظة على حق الطرف الآخر وإنصافه من كل وجه، بغض النظر عن صفة المحاور أو مركزه العلمي والاجتماعي، لأن الأمر المهم في الحوار هو إبراز حق الخصم وإنصافه حتى لا تنقلب المحاورة إلى مكابرة.. ويمكن تحديد النواحي التي يجب أن تراعى مع الطرف الآخر بما يلي: 1- التجرد من المؤثرات الجانبية -عقائدية كانت أو ذاتية- مثال ذلك أن يحاور مؤمن كافراً في إثبات وجود الله، فلو قال المؤمن للكافر: أنا مؤمن بوجود الله ثم ذكر فكرة أخرى مبنية عليها، فهذه ليست محاورة، بل هي إلزام للخصم، أو هي محاورة فاشلة، لأنه ابتدأ الحوار معه بناء على مؤثرات عقائدية خاصة به ولم يتجرد عن ثوابته التي يؤمن بها، والأصل في المحاور أن يكون متجرداً عن المؤثرات لضمان إنصاف الطرف (الآخر)، ذلك أن المحاورة المنطقية السـليمة تقتضي أن يتجرد كل من الطرفين أثناء المحاورة، افتراضاً، من عقيدته ومن انتمائه وأي شيء يؤثر على حياده فيما يتعلق بموضوع المحاورة، وفي هذا يقول الشعراني: إن احتاج إنسان إلى رد خصم ينكر الشرائع وجب علينا تجـريد النظر في رد مذهبه، لكن بالأمور العقلية لا بالشـرع، فإن الشرع هو محل النـزاع بيننا وبينه. ( ) وهذا يعني أن الخصم في هذا الموقـف لا يؤيد مفهـوم: قال الله، وقال الرسـول، لأنه غير مقتنع بها، فيحـتاج إلى محاورة ومناظرة وإقناع بالعقل في المسائل المتنازع عليها. 2 - حماية الخصـم أثناء المحاورة: ذلك أن طرفـي المحاورة قد اتفقا، ولو ضمناً، على افتراض تجردهما من العقـيدة والانتمـاء، وهذا يقتضي أن لا يوصف أحدهما بأنه مخطئ أو مصيب إلا بانتهاء المحاورة، فالإساءة إلى أي طرف قبل انتهاء الحوار ظلم له وتجاوز على أفكاره وطروحاته، بحيث يكون أسلوب المحاورة قائماً على الإقناع ثم الإلزام دون إهانة للخصم. ( ) 3 - المساواة بين الطرفين: وهي درجة أعلى من مجرد حماية أطراف الحوار؛ لأن إشعار المحاور بمساواته مع خصمه صفة تبعث في نفسه الطمأنينة وتدفعه لمزاولة الحوار بدرجة عالية من الثقة بالنفس. إن المتتبع للحوارات القرآنية يتلمس فيها المساواة بين طرفي الحوار، على حق، وأن مناظريه على الباطل إلا أن الله تعالى يوجههفعلى الرغم من أن النبي إلى افتراض أنه لا يعلم أيهما على الهدى، وأيهما في الضلال، أهو أم هم؟: ((قُل رَّبّى أَعْلَمُ مَن جَاء بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ)) (القصص:85).. وفي موقف آخر يصرح القرآن الكريم بالمساواة لطرفي الحوار حتى ولو كان ذلك بين فريقين مختلفين في الفكر والعقيدة، فيقول الله تعالى: ((قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:64) فهذه الآية تقدم دعوة لأن يكون طرفا الحوار على درجة واحدة من المساواة لا يتميز أحدهما عن الآخر ((تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ)). القاعدة الرابعة: تحديد الغاية وتوضيحها: من قواعد الحـوار الأسـاسية إبراز الهدف الذي تدور حوله المحاورة، مع التركيزعلى أن تكون الغاية واضحة والهدف محدداً ومقبولاً من النفوس والمشاعر بعد اجتيازه مرحلة القبول العقلي، ومن أمثلة ذلك ما جرى في محاورة إبراهيم عليه السلام مع المشركين من عبدة الكواكب، وتدرجه العقلي والنفسي معهم حتى وصل إلى تقمصه عبادة الشمس معهم: ((فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبّى هَـٰذَا أَكْبَرُ)) ليصل بهم إلى النتيجة بعد أن انتزع اعترافهم بأن الإله لا يغيب ولا ينبغي أن يغيب، ومن هنا برزت النتيجة: ((فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنّى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ Z إِنّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ)) (الأنعام:78-79).. وهكذا ركّـز إبراهيم على النتيجة من خلال هذه الكلمات الموجزة التي راعى فيها جملة من النواحي، أبرزها( ): 1- المحافظة على صلته بالخصوم وتقريبهم إليه بقوله: ((يٰقَوْمِ)) أملاً في كسب إيمانهم. 2- أعلن الحكم على عبادتهم للكواكب بأنها شرك، وأنه مستنكر له: ((إِنّى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ)). 3- تقديم البديل الصحيح الذي يجب أن يتجهوا إليه وهو الإيمان بالله: ((إِنّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ)). كل هذه المفاهيم التي أراد إبراهيم عليه السلام توضيحها كانت منصبّة على تحديد الغاية وإبراز الهدف من هذا الحوار، وهو إثبات وحدانية الله تعالى وإبطال ما عداه من الآلهة، وقد سلك في سبيل تحقيقها كل الوسـائل الممكنة لجعلها في غاية الوضوح عن طريق المحاورة التي لا تقصد هدفاً شخصياً ولا مصلحة ذاتية وإنما تهدف إلى إصلاح العقيدة وتثبيتها في النفوس. القاعدة الخامسة: خلق الأجواء الهادئة للتفكير السليم: إن من أشد الأمور ضرورة للوصول بالحوار إلى هدفه وتحقيقه لغاياته، توفر الأجواء الهادئة للتفكير الصحيح، الذي يمثل فيه الإنسان نفسه وفكره، والابتعاد عن الأجواء الانفعالية التي تبعد الإنسان عن الوقوف مع نفسه وقفة تأمل وتفكير، لأن الانخراط في محيط الأجواء الانفعالية يفقد المحاور اسـتقلاله الفـكري وشخصـيته المميزة، فيبتعد رويداً رويداً عن الحقيقة، أما الفكر الهادئ الواعي فإنه يضع القضية في موقعها الطبيعي لينتهي بالإقرار بنتيجة المحاورة، سلباً أو إيجاباً. لقد دعا القرآن الكريم إلى التجـرد عن الأجواء الانفعالية في حال أردنا أن نتبنى فكرة أو نرفضها، أو ننسجم مع موقف أو نبتعد عنه، حيث نقل القرآن أسلوب النبي في الحوار مع خصوم العقيدة -عندما واجهوه بتهمة الجنون- فقال تعالى: ((قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوٰحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَـٰحِبِكُمْ مّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)) (سبأ:46). فقد اعتبر القرآن موضوع الاتهام بالجنون خاضعاً للجو الانفعالي الذي كان يسيطر على التجمع العدائي لخصومهللنبي آنذاك، مما يجعلهم لا يملكون أفكارهم ولا يستطيعون أن يزنوا بها صحة القضايا وفسادها، ولذلك دعاهم إلى الانفصال عن هذا الجو المحموم بأن يتفرقوا مثنى وفرادى في موقف تفكير وتأمل ليصلوا إلى النتيجة الحاسمة، حيث إن التفكير الهادئ سوف يعيد الأمور إلى نصابها ويرفض تلك التهمة جملة وتفصيلاً، لينتهي بالإقرار بأنه رسول الله إلى الناس. ( ) والواقع أننا نجد هذه الأجواء الانفعالية في أكثر من مناسبة عندما يكون الأمر متعلقاً بالصراع الذي يخوضه الإسلام مع أعدائه، حيث يتم إطلاق الاتهامات بلا حساب ولا روية، ويرفض الطرف (الآخر) الجلوس للحوار، وأبرز دليل على ذلك ما يجـري هذه الأيام من اتـهام لبعـض الـدول أو الجماعات الإسلامية واعتبارها مسؤولة عن تنفيذ جملة من أعمال العنف من دون تقديم دليل مقنع على تلك الاتهامات. فنحن نرى أنه في ظل هذه الأجواء الانفعالية المشحونة ترفض الدول الغربية مجرد إبداء الرأي أو سماع الطرف (الآخر)، فضلاً عن الدخول معه في حوار هادئ للوقوف على حقيقة الأمور والبحث عن حلول أو معالجات منطقية لها. إن الأجواء الانفعالية والمشحونة تجاه الإسلام تأخذ اليوم أشكالاً متعددة وصيغا مختلفة لتأليب الناس على هذا الدين وأحكامه، ومن الأمثلة على ذلك ما يفعلونه في تصويرهم القانون الإسلامي بقطع يد السارق بأنه من الأساليب الوحشية التي لا تنسجم مع قوانين العصر الحديث، الذي يحاول معالجة الجريمة بالطرق المعتمدة على أساس قواعد علم النفس والاجتماع بعيداً عن جانب العنف والقسوة، وهكذا ينطلقون من أجواء انفعالية وعاطفية، ويتناسون أن التجارب المعاصرة الكثيرة لم تستطع أن تحقق أية نتيجة ملموسة في هذا المجال، في حين أن حكم الإسلام بقطع يد السارق كان عاملاً مهماً من عوامل منع السرقة في المجتمعات الإسلامية وأمن الناس على أموالهم وممتلكاتهم. وقد نجد تلك الأجواء الانفعالية عند معالجة عدد من القضايا الإسلامية كقضية الطلاق، وتعدد الزوجات، وقضية الحجاب والسفور حيث يتم الحوار فيها وفقاً لما تمليه العاطفة والرغبات الشهوانية دون الالتفات إلى الإيجابيات التي يرمي الإسلام إلى تحقيقها في تشريعاته وأحكامه، مما لا يدع مجالاً للمحاور الإسلامي أن يبدي رأيه ويبين وجهة نظره في توضيح المفاهيم الشرعـية التي تتعلق بمجمل القضايا المطروحة، الأمر الذي يؤدي إلى طغيان الجو الانفعالي المحموم على الأجواء الهادئة التي تتيح التفكير السليم والحوار العلمي البنّاء. القاعدة السادسة: إعداد خطة علمية للحوار: ويعني ذلك: وجود ضوابط نظامية تحكم عملية الحوار، وتنأى به عن أن يكون ارتجالاً واعتباطاً، خاصة إذا كان ذلك الحوار بين مدرستين فكريتين، أواتجاهين علميين.. والقيام بإعداد خطة علمية يقتضي اللجوء إلى أربع خطوات هي: تحديد الموضوع، وتحديد المفاهيم، وتحديد الهدف، وتحديد الآليات، وسنتكلم عن كل خطوة منها بإيجاز( ): 1 - تحديد الموضوع: لابد من تحديد موضوع الحوار قبل بِدء عملية التحاور، لأن موضوع الحوار هو جوهر العملية برمتها، وإذا ما جرى الاتفاق على ذلك كان الحوار معلوماً وواضحاً للأطراف المشاركة فيه، وسواء كان موضوع الحوار قديماً أو معاصراً فإن تحديده عامل أساس من عوامل نجاح المحاورة؛ لأن تحرير محل النزاع يضمـن عدم تحوّل الحوار إلى نوع من اللجاج، كما أنه يضمن عدم بعثرة الأفكار وضياعها بسبب ضبابية الفكرة وعدم وضوحها، إضافة إلى أن عدم تحديد الموضوع لا يتيح فرصة للحكم عليه، فالقاعدة تقول: «الحكم على الشيء فرع عن تصوره» فلا يمكن إصدار حكم في مسألة معينة بدون تحديد عناصرها وملامحها الأساسية. 2- تحديد المفاهيم: يتطلب الحوار الاتفاق على معاني المصطلحات والمفاهيم التي سوف يتم استخدامها في المحاورة، لأنه إذا أصبحت المصطلحات محل نزاع وخلاف بين المتحاورين فهذا يعني أن مهمتهم تزداد عناء ومشقة ولا يستطيعون مواصلة مشوار الحوار، بل ربما يتوقفون عنه في منتصف الطريق، لاختلافهم في تفسير المصطلحات والمفاهيم التي يتداولونها. | |
|
الموحد طايش حديدي
عدد المساهمات : 26 نقاط : 54 تاريخ التسجيل : 04/12/2009 العمر : 35 السكن : القدس
| موضوع: رد: الحوار( مفهومه- أركانه - شروطه -معوقاته) الجمعة ديسمبر 04, 2009 4:11 am | |
| 3 - تحديد الهدف: والمقصود بالهدف: هو الغاية التي يريد الطرفان الوصول إليها من وراء عملية التحاور، وإذا ما كان الحوار صادقاً ونافعاً فلابد أن يحدد له هدف يمكن الإشارة إليه صراحة، ويمكن الإشارة إليه ضمناً، ومهما يكن من أمر فإن أهداف الحوار لا تخرج عن الغايات التالية: 1- الوصول إلى تفسير متفق عليه حول موضوع المحاورة. 2- الرغبة في تخطي حالة العقم الفكري، الذي يعني: «تجاوز ثقافة البعد الواحد ورفض الانسياق وراء المذهب المتسلط السائد». 3- الرغبة في تخطي حالة الانغلاق الفكري، الذي يعني: «تجاوز التعصب المذهبي أو الفكري أو السياسي أو الاجتماعي». 4- تحديد الآليات: والمقصود بالآليات: مجمل الإجراءات التنظيمية التي تساعد على بلوغ الحوار إلى مسعاه النهائي، وهذه الإجراءات والأدوات يجب أن تكون واضحة ومحددة من خلال الآتي : 1- ضرورة التأكد من صحة المعلومات المعروضة في الحوار. 2- ضرورة مناقشة القضايا دون أن يكـون في الذهن قرار مسـبق أو حكم ثابت أو موقف صارم. 3- ضرورة الاستئناس بذوي الخبرة والمختصين الذين لهم علاقة بالموضوع المطروح للمناقشة. 4- استخدام المناهج العلمية والمنطقية أثناء الحوار من خلال التفكير والتحليل والاستنباط ليكون الحوار عقلانياً ورشيداً. 5- ترتيب عناصر الحوار خطوة خُطوة، ابتداءً بالمبادئ الجزئية وصولاً إلى الكليات والنتائج الكبرى، التي هي هدف الحوار وغايته. وتأسيساً على ما تقدم نقول: إن مقومات الحوار تتطلب توفر أركانه متمثلة بالطرفين المتحاورين، والقضية التي يجري الحوار بشأنها.. وقد بينا في هذا المبحث الشروط والضوابط التي يجب أن تتوفر في كل ركن من هذه الأركان.. كما أن مقومات الحوار تتطلب جملة من القواعد والأسس التي تتعلق بالعملية الحوارية من خلال اعتمادها على العقل والمنطق، وعدم التناقض في المقدمات والأدلة، وإنصاف الخصم وحمايته، وتحديد الغاية والهدف، وتوفير الأجواء الهادئة والمناسبة للتفكير السليم، وإعداد خطة علمية مبرمجة للشكل والمضمون، وبهذا نضمن حواراً علمياً ومنطقياً يعتمد الحجة والدليل، ويقدم الفكرة بعقلية مرنة وأسلوب واضح، بعيداً عن الأهواء والشهوات. إذا أردنا للمحاورة أن تنجح وتحقق أهدافها، فلا بد أن تتوافر فيها مجموعة من الشروط والضوابط.. والمتتبع لآليات الحوار وعناصره الأساسية يجد أن هناك شروطاً تتعلق بعملية المحاورة نفسها، وشروطاً أخرى تتعلق بالمحاور الذي يباشر عملية الحوار، وسنتعرض هنا لهذه الشروط. شروط المحاورة: يشترط في المحاورة ما يأتي: ( ) 1- استخدام اللغة القوية: نظراً لأن المحاورة هي محاولة لإقناع الطرف (الآخر) بوجهة نظر معينة، فإن ذلك يتطلب استخدام لغة قوية عن طريق وضوح الألفاظ، وترتيب الأفكار، وتسلسل المقدمات، وصولاً إلى النتائج المرجوة. ومن هنا فإن المحاورة تتطلب ضرورة استخدام أقل الكلمات المعدّة إعداداً دقيقاً للتعبير عن الفكرة وبيان الحقيقة، كما أن من الضرورة اصطفاء أفضل الألفاظ وأكثرها وقعاً في النفس وتأثيراً على المحاور. وإذا استخدم المحاور اللغة الواضحة فإن ذلك سيوصله إلى الكلام الحسن الذي يخدم الحقيقة دون لبس ولا غموض، وقد أوصى الحكماء بأن لا ينطق الإنسـان إلا بما يفيده أو يفيد الآخرين، أو أن يمتنع عن الكلام، كما أن كتب التراث زاخرة بالحكم والأمثال المتعلقة بضبط الكلام والتحكم به، فقد جاء في الأمثال: «من نطق في غير خير فقد لغا، ومن نظر في غير اعتبار فقد لها، ومن سكت في غير فكر فقد سـها». «الكلام كالدواء، إن أَقْلَلَت منه نفع، وإن أكثرت منه صدع». «من كثر كلامه كثر سقـَطه، ومن كثر سقـَطه قَلّ حياؤه، ومن قل حياؤه قل وَرَعُه، ومن قَلّ ورعه مات قلبه». «صد اللسان إلا في أربعة : في الحق توضحه، وفي الباطل تدحضه، وفي النعمة تشكرها، وفي الحكمة تظهرها»( ). 2- اختيار الأسلوب الأمثل: هناك طريقتان للحوار الفكري في جميع مجالاته، فهناك طريقة العنف التي تعتمد مواجهة المحاور بأشد الكلمات وأقسى العبارات، بحيث يتم التركيز على كل ما يساهم في إيلامه وإهانته، دون مراعاة لمشاعره وأحاسيسه، ولا شك أن هذه الطريقة إنما تنتج المزيد من الحقد والعداوة والبغضاء، وتبعد عن الأجواء التي تساهم في الوصول إلى النتائج الطيبة. وهناك طريقة أخرى تعتمد اللين والمحبة، وتعتبر الحوار وسيلة للوصول إلى الهدف، وهذه الطريقة تعتمد الكلمات الطيبة المرنة التي تقرّب الأفكار وتعمل على توحيد المفاهيم بعيداً عن العنف والشدة. وقد ركـّز الإسـلام على الطريقة الثانية في جميع أساليب الحوار من أجل الوصول إلى المعرفة، وأطلق على هذا الأسلوب مصطلح: «التي هي أحسن» ليكون طابع الحوارات الإسلامية في كل المجالات، وذلك في قولـه تعالى: ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ)) (فصلت:33) وفي قولـه تعالى: ((ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ)) (النحل:125) ولا شك أن الجـدال بالتي هي أحسن إنما يتمثل في اتباع أفضل الأساليب وأحسنها في إقناع الطرف الآخر بالفكرة التي يدور حولها الحوار. 3- احترام التخصص: من شروط المحاورة احترام التخصص وعدم التحاور في موضوعات ليس لها علاقة بفكر المحاور واهتماماته.. والواقع أن هذا شرط يتسع ليشمل جميع وسائل المعرفة ولا يقتصر على الحوار فحسب.. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إِنِّي أَجْرَيْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ إِلَى ثُغْرَةِ ثَنِيَّةٍ، فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ: تَعَالَ حَتَّى أَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ.. قَالَ فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ، فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْكُمَ فِي ظَبْيٍ حَتَّى دَعَا رَجُلاً يَحْكُمُ مَعَهُ ! فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ الرَّجُلِ فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ: هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ؟ قَالَ : لاَ، قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي حَكَمَ مَعِي؟ فَقَالَ: لاَ.. فَقَالَ: لَوْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّكَ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ لأَوْجَعْتُكَ ضَرْبًا.. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ((يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ هَدْياً بَـٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ)) وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ( ).. فنحن نرى أن عمر بن الخطاب تعامل مع هذا الحكم بطريقة علمية تخصصية، ولكن السائل لم يستطع إدراك الموقف وتفهمّه لعدم تخصصه، ولذلك دعاه عمر إلى احترام التخصص واستكمال عدة العلم قبل أن يعترض على الطرف الآخر في المحاورة، ويؤيد هذا ما روي أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، خطب الناس فقال: من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أُبيَّ بن كعب. ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل. ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت. ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإني له خازن( ). وفي هذا دعوة إلى اعتماد التخصص في جميع الفنون والعلوم، لأنه ينتج التحري الدقيق عن المعرفة، والتحقق من الفكرة، والوثوق من الهدف، وكل ذلك عامل من عوامل نجاح الحوار وموضوعيته. 4- طلب الحق بتجرد عن العاطفة: وهذا يعني أن مجرد الادعاء لا يحقق الغرض المطلوب للوصول إلى الحقيقة، وأن الحماس للفكرة ظاهرة صحية، ولكنه لا يكفي وحده للوصول إلى عقول الناس وقلوبهم، بل لا بد من أن يُطلب الحق بتجرد عن الحماس والعاطفة، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: تخاصم أهل الأديان فقال أهل التوراة: كتابنا خير الكتب، ونبينا خير الأنبياء، وقال أهل الإنجيل مثل ذلك، وقال أهل الإسلام: لا دين إلا الإسلام، وكتابنا نسخ كل كتاب، ونبينا خاتم النبيين، وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا، فقضى الله بينهم وقال: ((لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيّكُمْ وَلا أَمَانِىّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ... )) ، وخيَّر بين الأديان فقال: ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرٰهِيمَ خَلِيلاً)) (النساء:123- 125) . وقال مجاهد: قالت العرب: لن نبعث ولن نعذب، وقالت اليهود والنصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى، وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معـدودات، وتعني هـذه الآيات أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، وليس كل من ادعى شيئاً حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال إنه هو على الحق سمع قوله بمجرد ذلك حتى يكون له من الله برهان، ولهذا قال تعالى: ((لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيّكُمْ وَلا أَمَانِىّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ)) أي ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني بل العبرة بطاعة الله سبحانه واتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام، ولهذا قال بعده: ((مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ)) كقوله: ((فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ G وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)) ( ). وهكذا فإنه يجب أن يكون الحـوار في مسائل الدين بالقدر الذي يساعد على إحقاق الحق في موضوع النـزاع، فإذا انحرفت بالحوار أهواء قوم لا يريدون إلا كسب الوقت وإضاعة الجهد فنحن مأمورون بقفل النقاش احتراماً لعقولنا أن تشغل بما ليس نافعاً، واحتراماً للحق الذي يقتضي البعد عن المراء والجدل العقيم. هذه هي أبرز شـروط المحاورة التي أمكننا استخلاصها من خلال متابعة طبيعة الحوار وضوابطه، والتي يجب أن تتوفر لتكون المحاورة محققة للأهداف المرجوة منها في الوصول إلى الحقيقة. وهناك شروط أخرى ذكرها الدكتور جمال شلبي في رسالته: «آداب البحث والمناظرة»، حيث قال : يشترط في المناظرة أربعة شروط( ): الشرط الأول: أن يكون المتناظران على معرفة تامة بما يحتاج إليه كل منهما من قوانين المناظرة وقواعدها حول الموضوع الذي يريدان المناظرة فيه. الشرط الثاني : أن يكون المتناظران على معرفة بالموضوع الذي يتناظران فيه، حتى يتمكن كل واحد منهما من الإحاطة بعناصر القضية بكل جوانبها، فإذا تكلم لم يخبط خبط عشواء ولم يناقش في البديهيات بغير علم، وإذا ألزم بالحق التزم به من غير مكابرة. الشرط الثالث : أن يكون موضوع المناظرة مما يجوز أن يجري فيه التناظر وتختلف فيه وجهات النظر، فالمفردات والبديهيات الجلية لا تجرى فيها المناظرة أصلاً. الشرط الرابع : أن يجري المتناظران مناظرتهما على عرف واحد ومصطلح متفق عليه، فإذا كان كلام أحدهما جارياً على عرف الفقهاء مثلاً فلا يجوز أن يكون كلام الطرف الآخر جارياً على عرف النحاة، لأن المناظرة في هذه الحالة لا يكون فيها قاسم مشترك يجمع الطرفين ويحرر محل النـزاع. شروط المحاور: أما المحاور فلا بد أن تتوفر فيه الشروط التالية( ): 1- أن يتخلى عن النرجسية والأنانية، لأن لجوء المحاور إلى رؤية الآخرين بمنظار معتم أو ضيق، أو تجاهل رؤيتهم أحياناً من خلال عدم الاعتراف بمهارتهم الفكرية إنما هي سياسة نرجسية ذميمة لابد من التخلي عنها، ولا شك أن هذا المنظار الضيق يؤدي إلى ضعف الحوار واختناق مسيرته وغياب السجال والنقاش العلمي عن واقعنا الفكري. إن ضوابط الحوار تقتضي وجوب التخلي عن النرجسية لأنها مرض نفسي غير مرغوب فيه، كما أن من الضرورة أن يتخلى أطراف الحوار عن مبدأ تعظيم (الأنا) أو تضخيم الذات، ليكون الحـوار علمياً وفعالاً، لأن الذاتية والنرجـسية سياسة غير مجدية، وليس هناك سـبب منطقي يبرر اعتناقها من قبل فرد يحترم إنسانيته وشخصيته ويحترم شخصيات الآخرين. 2- أن يكون المحاور صاحب نظر وتفكير مستقل، بحيث لا يكون مقلّداً لغيره، وفي هذا يقول الإمام الغزالي: «أن يكون اعتماده في علومه على بصـيرته، وإدراكه بصفاء قلبه، لا على الصحف والكتب، ولا على تقليد ما يسمعه من غيره... فلا يسمى عالماً إذا كان شأنه الحفظ من غير إطلاع على الحِكم والأسرار» ( ). فالغزالي يعبر بهذا عن وجهة النظر الصحيحة في الفكر الإسلامي للتعامل مع الطـروحات الفكرية، لأن تفاوت الأحكام عند عدم وجود النصوص أمر لا ينبغي التخوف منه، بل من حقنا أن نستمد منه حرية عقلية وفكرية مطلقة، ذلك أن الحكم الثابت بالنص لا مجال فيه للفكر والاجتهاد ولا مكان معه لحرية الرأي، وإنما تتعدد الآراء وتتباين الطروحات في الميادين السياسية والاقتصادية وأنواع المعاملات الأخرى التي أسهم فيها العقل البشري بحظ وافر. 3- أن يكون المحاور سريع البديهة، فإن من حسن المحاورة أن يكون المحاور ذواقاً للكلام، مدركاً لأبعاده، متجاوباً مع العواطف؛ لأن عدم التجاوب السريع مع الطرف الآخر قد يفوّت عليه الكثير من المعلومات التي ينبغي أن يتوقف عندها ويعالجها بلباقة وحنكة. 4- أن يحسن المحاور الاستشهاد بآيات القرآن الكريم في الموضوعات الشرعية بحيث تتوفر لديه القدرة على فهم آيات القرآن فإن ذلك مما يعينه على ظهور الحق، خاصة فيما يتعلق بمحاورة غيروأحاديث النبي المسلمين. يقول الدكتور عناية الله: خرجت يوم الأحد من أيام سـنة 1909م، وكانت السماء تمطر بغزارة، فإذا بي أرى الفلكي المشهور السير جيمس جينز - الأستاذ بجامعة كمبردج - ذاهباً إلى الكنيسة، والإنجيل والمظلة تحت إبطه، فدنوت منه وسلّمت عليه فلم يرد علي، فسلّمت عليه ثانية فلم يرد علي، ثم سلّمت عليه مرة أخرى، فسألني: ما ذا تريد مني ؟ فقلت له: أمرين! الأول: هو أن مظلتك تحت إبطك رغم شدة المطر، فابتسـم وفتح مظلته على الفور. وأما الأمر الآخر: فهو ما الذي يدفع رجلاً ذائع الصيت في العلم مثلك أن يتوجه إلى الكنيسة ؟ وأمام هذا السؤال توقف السير جيمس لحظة ثم قال: أدعوك اليوم أن تأخذ شاي المساء عندي، فلما دخلت غرفته وجدته منهمكاً في أفكاره، فبادرني: ماذا كان سؤالك ؟ ودون أن ينتظر ردي بدأ يلقي محاضرة عن الأجرام السماوية ونظامها المدهش ومداراتها وجاذبيتها حتى أنني شعرت بنفسـي تهتز من هيبة الله وجلاله، وأما السير جيمس فوجدت شعر رأسه قائماً والدموع تنهمر من عينيه ويداه ترتعدان من خشية الله، ثم توقف فجأة، وبدأ يقول: يا عناية الله! عندما ألقي نظرة على روائع خلق الله يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهي، وعندما أركع أمام الله وأقول له: «إنك لعظيم» أجد أن كل جزء من كياني يؤيدني في هذا الدعاء، وأشعر بسكينة وسعادة عظيمتين، أفهمت يا عناية الله لِمَ أذهب إلى الكنيسة؟ يقول الدكتور عناية الله: لقد أحدثت هذه المحاضرة طوفاناً في عقلي، وقلت له لقد تأثرت جداً بالتفاصيل التي رويتموها لي، وتذكرت بهذه المناسبة آية من كتابي المقدس، فلو سمحتم لي بقراءتها، فهزّ رأسه قائلاً: بكل سرور، فقرأت عليه قوله تعالى: ((وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ a وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَابّ وَٱلاْنْعَـٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰنُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء)) (فاطر:27-28) فصرخ السير جيمس قائلاً: ماذا قلت؟ إنما يخشى الله من عباده العلماء، مدهش وغريب جداً!! إن الأمر الذي حدثتك عنه كان نتيجة دراسـة اسـتمرت أكثر من خمسين عاماً، من أنبأ محمداً به؟ هل هذه الآية موجودة في القرآن حقـيقة؟ لو كان الأمر كذلك فاكتب مني شهادة أن القرآن كتاب موحى به من عند الله. ( ) لقد تمكن الدكتور عناية الله من مجاراة محاوره الذي كان يتمتع بمكانة علمية في تخصصه بفضل حسـن استشهاده بالنص القرآني الذي استخدمه في موطنه، ليكون بذلك على درجة المساواة مع محاوره، بل ربما تفوق عليه وجعله يؤمن بأحقية دينه وصدق كتابه. 5- أن يحاور من يتوقع الاستفادة منه ممن هو مشتغل بالعلم( )؛ لأن محاورة الجهلاء توقع المحاور في متاهات الجهل وتشغله عن مصادر المعرفة، كما أن محاورة المغترين بالعلم الذين يريدون الظهور والبروز تقضي على الموضوعية العلمية فتنقلب المحاورة إلى استعراض للقدرات ومهاترات بعيدة عن الحق. ويعيب الإمام الغزالي على قوم لا خلاق لهم في المحاورة فيقول: «اعلم وتحقق أن المناظرة الموضوعة لقصد الغلبة والإفحام وإظهار الفضل والشرف والتشدق عند الناس وقصد المباهاة والمماراة هي منبع جميع الأخلاق المذمومة عند الله»( ). آداب الحوار: الحوار ظاهرة إنسانية مرتبطة بوحي العقل وإلهامه، وراجعة في نشأتها إلى طبيعة الإنسان المفكرة الناطقة، فهو يؤمن بفكرة معينة فيعرضها ويوضح أهدافها ويدافع عنها، فإذا خالفه في الرأي أحد ما من البشر استجمع أفكاره وقدّمها عن طريق حوار يبعث إلى إشغال الذهن وإعمال الفكر ليضيف إلى عقولنا معلومات جديدة، وليفتح أمام أهل العلم آفاقاً واسعة في المعرفة. وإذا أردنا للحـوار أن يبقى عذباً رقيقاً، بعـيداً عن التنكيل والمهاترة، فلا بد أن يرتبط بمجموعـة من الآداب الفاضـلة والأخـلاق النبيلة من أجل أن يبقى الفكر متقداً والعطاء موصـولاً.. وسنعرض هنا لأبرز وأهم آداب الحوار وأخلاقه: 1- عفة اللسان والقلم: من أدب الحديث أن لا يتجاوز المتكلم في مدح ولا يسرف في ذم، ومن هنا فإن على المحاور أن لا يبالغ في الذم فهـو طريق الشـر والرذيلة، ولا يسرف في المديح والثناء لأن المبالغة فيه ملق ومهانة. إن من أقبح الصـفات أن يتنـزل العلماء في حوارهم إلى جارح :اللفظ وسيئ العبارة، معللين ذلك بضيق الصدر ونفاذ الصبر، فقد قِيلَ لرسول الله يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ.. قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ : «سِبَابُ الْمُسْلِمِلَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً»( )، كما قال فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»( ). والمتتبع للحوارات التي يزخر بها تراثنا يدرك الأدب الرائع بين المتحاورين في أدق قضايا الإسلام وأحكامه، ويطلع على النماذج المشرقة التي حواها ذلك التراث الفكري والمعرفي، ولعل أبرز دليل على ذلك الحوار حولالرائع الذي جرى بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعدد من صحابة رسول الله توزيع الأراضي على المقاتلين، فقد كان موضوع الحوار منصباً على تفسير آيات عديدة من القرآن الكريـم، ومع ذلك لم يشتد عمر في كلمة، ولم يعنف أحداً في عبارة، وإنما تبادل الجميع الرأي بالرأي والحجة بالحجة حتى اقتنع الجميع برأيه وقالوا: نِعْم ما قلت وما رأيت( ). ومن النماذج الحـوارية الفاضلة الحـوار المكتوب الذي تم تبادله بين عالميـن جليلين من علماء الأمة هما: إمـام دار الهجرة مالك بن أنس، رحمه الله، وإمام مصر وعالمها الكبير الليث بن سـعد، رحمه الله، فعـلى الرغم مما اشتملت عليه تلك الرسالتان من عرض لمسائل وأحكام عديدة فقد جاءتا آية مشرقة من آيات الحوار الراقي العفيف الذي نحن بحاجة إلى مثله في هذه الأيام، وسنعرض لبعض ذلك الحوار. يقول الإمام مالك، رحمه الله: واعلم - رحمك الله - بلغني أنك تفتي الناس بأشياء مختلفة لما عليه الناس عندنا وببلدنا الذي نحن فيه، وأنت في أمانتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك وحاجة من قبلك إليك، حقيق بأن تخاف على نفسك.. فانظر رحمك الله فيما كتبت لك، واعلم أني أرجو أن لا يكون قد دعاني إلى ما كتبت به إليك إلا النصيحة لله وحده والنظر لك، فأنزل كتابي منزلته، فإنك تعلم «أني لم آلك نصحاً». ويجيب الإمام الليث عن هذه الألفاظ والمعاني الطيبة بمثلها قائلاً: قد أصبت بالذي كتبت به من ذلك، ووقع مني بالموقع الذي تحب.. ثم يقول: وقد بلغنا عنكم شيء من الفتيا، وقد كنت كتبت إليك في بعضها فلم تجبني، فتخـوفت أن تكون استثقلت ذلك فتركت الكتاب إليك في شيء مما أنكرت... ثم يبين الإمام الليث أنه ثابت على رأيه مخالف في ذلك رأي الإمام مالك في العديد من المسائل والآراء دون مجاملة أو مداراة على حساب الحق، ثم يختم كتابه بقوله: وأنا أحب توفيق الله إياك وطول بقائك، لما أرجو للناس في ذلك من المنفعة، وإن نأت الديار فهذه منـزلتك عندي ورأيك فيه فاستيقنه، ولا تترك الكتابة إليّ بخبرك وحالك وحال ولدك وأهلك وحاجة إن كانت لك أو لأحد يوصل بك فإني أسر بذلك. ( ) إن هذه النمـاذج الحوارية الرائعـة تدعو الناس إلى أن يرجعوا إلى أدب الإسلام في الحـوار بدل أن يُنَصّب بعـض الناس أنفسهم أوصياء على الأمة وعقولها وتفكيـرها، فيتهمـون هـذا ويفسّقـون ذاك، ويشيعون الخوف من المشـاركة في الفـكر وإبداء الرأي، حتى توقـف العلماء عن الخوض في كثيـر مما يحتاج إليه الناس من اجتهاد، وأقفلت بسبب ذلك أبواب الحوار بالتي هي أحسن لتفتح بدلاً عنها أبواب الصراع والشغب والمشاجرة. 2- حسن الصمت والإصغاء : الصمت هو السـكوت بعد الكلام وتقديم الفكرة، أما الإصغاء فهو الاستماع، ولكي يتحـقق حسن الصمت والإصغاء في المحاورة فإن ذلك يتطلب عدة أمور هي: السـكوت، والانتباه، وعدم مقاطعة الطرف الآخر، والتأمـل والربط والمقارنة.. وسنبين أهمية كل من الصمت والإصغاء. ( ) - الصمت: الصمت بالنسبة للحوار ليس موقفاً سلبياً، وإنما هو إجراء إيجابي يمثل خطوة نحو الكلام الصائب، وفي هذا تقول العرب: «إذا أردت أن تقول الصواب في اللحظة المناسبة فعليك أن تسكت أغلب الوقت»، كما أن الصمت غالباً ما يكون طريقاً إلى العلم والحلم، يقول أحد الحكماء: «إذا جالست العلماء فأنصت لهم، وإذا جالست الجهّال فأنصت لهم أيضاً، فإن في إنصاتك للعلماء زيادة في العلم، وفي إنصاتك للجهّال زيادة في الحلم». - الإصغاء: كما أن الإصغاء أدب رفيع وخلق حسن يوصل إلى الفهم والتفهم، فإن من حسن الأدب أن لا تغالب أحداً على كلام، وإذا سئل غيرك فلا تجب عنه، وإذا حدّث بحديث فلا تنازعه إياه ولا تقتحم عليه فيه. وقد جاء في كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه، قال أحد الحكماء لابنه: «يا بني: تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الحديث، وليعلم الناس أنك أحرص على أن تسمع منك على أن تقول»( ). ومن هنا يتضح أن حسن الصمت والإصغاء دليل على احترام الآخرين وعدم الانتقاص منهم، وهو أدب رفيع من آداب الحوار والمناظرة. 3- التواضـع: التواضع أدب من آداب العلماء، وصفة من صفاتهم الكريمة، ولأن الحوار مهنة العلماء وصنعتهم فلا بد أن يتصف المتحاورون بالتواضع الذي يفتح الطريق أمام الطرف (الآخر) ويتيح له المجال لإبداء الرأي والفكرة، يقول الزمخشري: «ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام على ما أوتي من فضل النبوة والحكمة والعلوم الجمة والإحاطة بالمعلومات الكثيرة، ابتلاءً له في علمه، وتنبيهاً له أن في أدنى خلقه وأضعفه من أحاط علماً بما لم يحط به، لتتحاقر إليه نفسه ويتصاغر إليه علمه، ويكون لطفاً له في ترك الإعجاب الذي هو فتنة العلماء، وأعظم بها فتنة».( ) ويتحقق التواضع بعدم الثناء على النفس، وفي هذا يقول الله تعالى: ((فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ)) (النجم:32)، جاء في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي: قيل لحكيم ما الصدق القبيح ؟ قال: ثناء المرء على نفسه، ولا يخلو المناظر من الثناء على نفسه بالقوة والغلبة والتقدم بالفضل على الأقران، ولا ينفك في أثناء المناظرة عن قوله: لست ممن يخفى عليه أمثال هذه الأمور، وأنا المتفنن في العلوم كلها والمستقل بالأصول وحفظ الأحاديث وغير ذلك، مما يتمدّح به تارة على سـبيل الصلف، وتارة للحاجة إلى ترويج كلامه، ومعلوم أن الصلف والتمدّح مذمومان شرعاً وعقلاً( ). فالغزالي يعتبر أن هذه الأساليب نوع من أنواع الكبر والغرور، وهي منافية للتواضع الذي يجب أن يتصف به العلماء وأهل الفكر. إن من الحكمة في الحوار أن يتجنب المحاور الحديث عن نفسه، أو عن أولاده، أو عن أعماله وإنجازاته، أو عن الدعوات التي تلقاها ورفضها؛ لأن شر المتحدثين من آثر الحديث عن أحواله وأكثر الكلام عن نفسه، فإن فعل ذلك فإنه يفقد شرط الحوار الناجح. 4- احترام شخصية المحاور: ويتم احترام شخصية المحاور من خلال الأمور التالية( ): أ- اهتمـام المحاور بالطرف (الآخر) اهتماماً ودياً بالانتباه لكلامه، وعدم اللجـوء إلى تجاهله أو الشـرود والانشـغال عنه بشـخص آخر أو بموضوع آخر. ب- تحاشي تحقـير الطرف (الآخر)، أو اللجوء إلى النقد الشخصي فيما يخص سيرته الفردية أو العائلية، وتجنب استخدام اليد دفعاً أو تهديداً. ج- فسح المجال أمام الطرف (الآخر) للدفاع عن وجهة نظره كاملة، والتعامل مع طروحاته بصـدر رحب عن طريق إتاحة الوقت الكافي لعرضها وبيانها. وبهذا يكون من أدب الحوار احترام آدمية الإنسان وإنسانيته، بغض النظر عن الاختلاف في الرأي والتباين في الفكرة والتباعد في وجهات النظر. 5- الحوار بهدوء وروية: لأن الانفعال والتوتر النفسي في الحوار يعني بالنتيجة فشل المحاورة وعدم الإفادة منها، فلا داعي للاستمرار فيها، بل إن ضرر الحوار الذي يسوده الانفعال يكون أكثر من نفعه. وهذا يعني أن يكون الحوار مبنياً على المرونة والتسامح، فقد يكون المحاور على خطأ في الفكرة أو المعلومة التي يطرحها ولكن المرونة والهدوء يعملان على استمرار الحوار واستكمال موضوعاته، أما التوتر والتعصب فهي حالات لاتشجع على الحوار ولا تخدم أهدافه، وإذا جـرى الحوار في ظل تلك الأجواء فمصيره إلى الإخفاق والفشل. ولتحقيق ذلك ينبغي على المحـاور أن يكون صوته هادئاً دون ارتفاع أو صراخ حتى لا ينقلب الحوار إلى مهاترات كلامية عقيمة( ). 6- الحوار بمودة واحترام : فقد أنه قـال: «الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»( )روى أبو هريرة عن رسـول الله كما أن الذي يأتـي للحـوار والمناظرة إنما يأتي ليقنع أو يقتنع، ولم يأت للاحتراب أو الاعـتداء، وكلما أبدى المحاور مودة أكثر واحتراماً أعمـق للطرف (الآخر) كان اسـتمرار الحـوار أكثر نفعاً وفائدة. ومن ضوابط الحـوار الذي يقوم على المودة والاحترام أن يتجنب كل منهما السخرية والاستهزاء وكل ما يشعر باحتقار المحاور وازدرائه لصاحبه، أو وصمه بالجهل أو قلة الفهم. بعد هذا كله نقول: إن مراعاة هذه الآداب والأخلاق أثناء الحوار يضمن حواراً علمياً رزيناً بعـيداً عن المهاترات الكلامية، والألفاظ البذيئة، والأساليب القبيحة التي تؤدي بالنهاية إلى فشل الحوار وانعدام أهدافه.
| |
|
امير الاحزان طايش ذهبي
عدد المساهمات : 52 نقاط : 127 تاريخ التسجيل : 26/11/2009 العمر : 30 السكن : فلسطين _غزة
| موضوع: رد: الحوار( مفهومه- أركانه - شروطه -معوقاته) الأربعاء ديسمبر 16, 2009 8:43 pm | |
| | |
|